الخميس، 19 فبراير 2009

شتان بين جوارها و جوارى

قد قال لى مرة احدهم -لا اذكره بالضبط - منذ ما يقرب من ثلاثة عقود : "انك دائما تستطيع ان تعود طفلا فى أى وقت تشاء مادامت امك على قيد الحياة ، فقط اذهب و اجلس بين يديها ، فاذا ماتت امك شعرت بالشيب يدب فى نفسك فجأة حتى و ان كنت فى ريعان الشباب ؟"

لم افهم لهذه الفكرة مغزى على الاقل ساعتها و ربما لم اذكرها منذ سمعتها الا الآن ؟
و احسست بها بعمق بعدما حدث ما حدث ،
هل يوجد فى الدنيا من يعطى فقط و بلا مقابل و بلا حدود
يعطى و لا يبقى و يكون ما اعطتها احب اليه من ما ابقاه

الحاضرة الغائبة :
لقد كنت احس بالوحشة لبعدى عنها لكننى لم اكن اشعر بوحشة شديدة كتلك التى اشعر بها الآن ,
كنت احس دائما انها موجودة هى الحاضرة الغائبة هى ترعاك بقلبها و دعواتها حتى و ان لم تكن تراها ؟
ان لكل شيئ له ثمن و قد يكون مقابله تضحية :
إن احساسى بفداحة ثمن الغربة فى اننى اضعت ساعات و لحظات كان يمكن ان اكون معها و لجوارها ؟ أى ثمن حصلت عليه يعوض خسارتى بفدانها؟

لقد احسست بالشيب فجأة؟
ادعو لها و ادعو ان يجمعنى الله بها فى مقعد صدق عند كريم مقتدر فى جنة الفردوس و سقفها عرش الرحمن و ان يغفر لنا و لذريتنا و للمسلمين ,

أحبك طبقا لكراسة شروطى و مواصفاتتى

( و اذا رحمت فانت ام او اب,,,,,,, هذان فى الدنيا هما الرحماء ) اذا كان شوقى قال فى قصيدته
كثير من انواع و صور الحب فى هذه الدنيا مرهونة باسباب و طبقا لشروط من يحب و قد تكون مخلوطة باستغلال من نوع ما,


نعم كان حبها خالصا و غير مشروطا و غير مرهون و لا محدود
فهل هناك حب يوازيه؟

هل كان هناك شيئا فى الدنيا يستحق ان تبتعد عنا ان تؤجل هذا الحب وانت لا تعلم ان عمرها فى الدنيا قصير؟

النصف ساعة المؤجلة طوال العمر:


اننى لاندم على لحظات كنت استطيع ان اقضيها بجوارها ,
, اظن اننى كان يمكننى ان احاول اسعادها اكثر او على الاقل اكون بجوارها اكثر ؟

اذا كان ينادى منادى عندما يفقد الانسان امه : يا ابن آدم مات التى كنا نكرمك من اجلها فاعمل عملا نكرمك من اجله,

إلا اننى احسبها فى خير فى دار الحق و ادعو الله أن يجمعنى معها فى جنة الفردوس و ان يغفر لنا و يرحمنا و المسلمين الاحياء منهم و الاموات

و لم اجد عزاء لنفسى خير من بيت فى قصيدة ( ابى الحسن التهامى ):


((جاورت اعدائى و جاور ربه شتان بين جوارها و جوارى)),


احسبها انها بفضل الله و رحمته و بمبشرات بحسن الخاتمة فى فضل من الله و مغفرة

فكرة تحقيق السعادة و شرف المحاولة :
كلما تقدم بى العمر احسست ان ذلك كان وهم كبير تقتنع به فى مستهل حياتك فيكون لك حافز لكى تحى الحياة , ثم تكتشف كذب الفكرة و استحالتها كلما تقدم بك العمر حتى يسهل عليك ترك الحياة ،


و تذكرت الآية ( و أما الذين سعدوا ففى الجنة) ....الآية

ولولا كثرة الذنوب و قلة الزاد لكان احب غائب ينتظر هو الموت؟

اللهم اغفر لنا و ارحمنا و والدينا و ذريتنا و امواتنا و اموات المسلمين و اجمعنى بامى فى جنة الفردوس يا ارحم الراحمين .
وجدت قصيدة التهامى الشهيرة مملؤة بالحكمة فاوردتها و لعل مبلغ اوعى من سامع،
فى قصيدته الشهيرة و التى يرثى فيها ابنه ،و ان كان يروى ان ( التهامى ) زار احدهم فى الرؤيا بعد و فاته فذكر له ان الله قد غفر له ما كان منه من تقصير فلما سأله عن ارجى عمله، قال له: لا اعلم لكننى اظن ان الله قد غفر لى ببيت قلته ( جاورت اعدائى و جاور ربه شتان بين جواره و جوارى ) :


حكم المنية فـي البريـة جـار ما هـذه الدنيـا بـدار قـرار

بينا يرى الإنسان فيهـا مخبـرا حتى يرى خبرا مـن الأخبـار

طبعت على كدر وأنت تريدهـا صفوا من الأقـذار والأكـدار

ومكلف الأيام ضـد طباعهـا متطلب في المـاء جـذوة نـار

وإذا رجوت المستحيـل فإنمـا تبني الرجاء على شفيـر هـار

فالعيـش نـوم والمنيـة يقظـة والمـرء بينهمـا خيـال سـار

فاقضوا مآربكـم عجـالا إنمـا أعماركم سفر مـن الأسفـار

وتراكضوا خيل الشباب وبادروا أن تستـرد فإنـهـن عــوار

فالدهر يزرع بالمنى ويغـص أن هنّا ويهـدم مـا بنـى ببـوار

ليس الزمان وإن حرصت مسالما خُلق الزمان عـداوة الأحـرار

إني ُوترت بصـارم ذي رونـق أعددتـه لطـلابـة الأوتــار

والنفس إن رضيت بذلك أو أبت منـقـادة بـأزمـة المـقـدار

أثنى عليـه بإثـره ولـو أنـه لـم يغتبـط أثنيـت بـالآثـار

ياكوكبا ما كان أقصـر عمـره وكذاك عمر كواكب الأسحـار

وهلال أيام مضى لـم يستـدر بدرا ولم يمهـل لوقـت سـرار

عجل الخسوف عليه قبل أوانـه فمحاه قبـل مظنـة الإبـدار

واستـل مـن أترابـه ولداتـه كالمقلة استلت مـن الأشفـار

فكـأن قلبـي قبـره وكأنـه في طيه سـر مـن الأسـرار

إن يعتبـط صغـرا فـرب مقمـم يبدو ضئيل الشخـص للنظـار

إن الكواكب في علـو محلهـا لترى صغارا وهي غيـر صغـار

ولد المعزى بعضه فـإذا مضـى بعض الفتى فالكل فـي الأثـار




أبكيه ثـم أقـول معتـذرا لـه وفقت حيـن تركـب الأم دار

جاورت أعدائي وجـاور ربـه شتان بيـن جـواره وجـواري

---------------------------------------------

اللهم ارحمنا و المسلمين و المسلمات الاحياء منهم و الاموات....آمين