الأربعاء، 12 مارس 2008

من هو صاحب السعادة؟

يوم صحيت شاعر براحة و صفا


الهم زال و الحزن راح و اختفي


خدني العجب و سألت روحي سؤال


انا مت ؟ و لا وصلت للفلسفة
عجبي !!!



هل تعتقد أنه يمكن أن يطلق عليك ( صاحب السعادة ) ؟

هل تعرف من هو حضرة صاحب السعادة ؟


كثيرا ما يطلق اللقب على من ملك المال و السلطان ( المنصب ) , هل هذا فقط هو مقوم السعادة؟ ,
وهل من الممكن ان نجزم أنه فعلا ملك السعادة؟


إن الاية الوحيدة فى كتاب الله ( تعالى ) التى ذكرت فيها كلمة السعادة ( أما الذين سعيدوا ففى الجنة... ) الاية.
هل هذه اشارة إلى انه لا توجد سعادة حقيقية فى الدنيا؟,
أم انها اشارة إلى انه لا توجد سعادة مطلقة فى الدنيا ,

هل معنى هذا أننا فى رحلتنا للبحث عن السعادة نبحث عن سراب ,وانه لا وجود للسعادة الحقيقية فى الدنيا ؟

لا شك أن السعادة المطلقة لا توجد ألا فى الجنة
وبالتالى هى موجودة ضمنيا فى كل عمل يقرب للجنة : العبادات , مساعدة المحتاج , صلة الرحم , وحسن الجوار ,و فى حسن الخلق.

لا شك أن السعادة موجودة , نلمسها مصادفة ِ, نسعى اليها و ان اختلفنا فى الوسائل و إن اختلفنا اصلا فى تعريفها؟


إن ( انتونى روبنز) فى كتابه ( ايقظ العملاق فى داخلك ) تكلم على نظرية (الالم )و (المتعة )

و حاول أن يثبت أن كل فعل يتركه الانسان أو يفعله , هو اما لدفع مضرة( الم ) أو جلب (متعة ),
و ان اى فعل سوف تربطه (بمتعة )سوف تحرص عليه , ان اى فعل ستربطة( بالم ) سوف تبتعد عنه و تتجنبه ,

و هو قد وصف كيف يمكننا ربط الاشياء التى يجب أن نفعلها بالمتعة( الرياضة , الدراسة ....) ,
و ربط السلوك الذى نود تغيره يالالم ( التدخين , الافراط فى الطعام .....)
وقد اعطى مثال على استغلال ذلك فى الاعلانات التجارية ( ربط الشيكولاته بالمتعة ...الخ) .

و كذلك ركز على أن حرص الانسان على تجنب( الالم )اكبر من حرصه على جلب( المنفعة) ,

( و القاعدة الشرعية تقول : دفع المضرة , اولى من جلب المنفعة).
و قد اعطى مثال على ذلك من ان خوفك على ضياع جزء من مدخراتك عن دخولك فى مشروع تجارى ( الم محتمل) , عند كثير من الناس اكبر تأثيراً من ( متعة محتملة ) تحقيق المكاسب بنجاح المشروع التجارى,

و بالتالى يبقى معظم الناس مجرد موظفين تجنبا ( للالم المحتمل ).

لكن الخطأ يكمن فى السعى الخاطئ (لمتعة قريبة ), يتبعها( الم كبير) فى المستقبل ( التدخين ......مثلا ).
و قد استخدم القرآن الكريم معنا الاسلوب ذاته , بربط الطاعة بالجنة و ربط المعصية بالنار.

و كثيرا ما نستخدم الاسلوب ذاته فى تربية اطفالنا لربط السلوك القويم( بمتعة ما )و ربط السلوك المرفوض (بعقاب ما).


من اجل ذلك هناك تعريف ( للالتزام ) اعجبنى بانه :( التخلى عن الجيد القريب , طمعا فى تحقيق الافضل فى المستقبل ) ,

_________
لقد تكلمنا عن المتعة و الالم , لكن مفهوم السعادة اشمل ,
الدكتور / صلاح الراشد له كلام جميل فى مجموعته الجميلة ( السعادة فى ثلاث شهور ) ملخصها :

  1. السعادة مطلب سامى و رغبة اكيدة .
  2. السعادة مهارة تكتسب.
  3. السعادة لا تأتى صدفة , بل يجب أن يسعى إليها .
  4. أنت المسؤل عن اسعاد نفسك, السعادة تبدأ من الداخل.

اهم قناعة عن السعادة أنها ليست مجرد غاية تنتهى بتحقيقها مرة :بل انها طريق و اسلوب حياة , يحى بسعادة يعمل بسعادة........

( ستيفن كوفى ) فى كتابه الجديد( العادة الثامنة ) اثار نقطة ان الانسان يتكون من ( جسد) ,( قلب ), (عقل )و يربطهم جميعا (الروح),
فى رحلة البحث عن السعادة يخطئ البعض فى التركيز على جانب اكثر من الجوانب الاخرى :

يركز على توفير المال ( جانب مادى - حاجة الجسد ) و قد يأتى ذلك على حساب العلاقة مع الزوجة و الاولاد ( اجتماعى - حاجة القلب) ,
او قد يركز طالب على العلم و الدراسة ( حاجة العقل ) و يهمل صحته و ممارسة التمارين ( حاجة الجسد ) او علاقته بربه وبالدين ( حاجة الروح).
مشكلة الغرب كانت بالتركيز على الماديات و الاستهلاك ( حاجة الجسد ) على حساب القيم و الدين ( حاجة الروح ) ,
حتى تنفيذ القيم من منظور علمانى مرتبط بالمنطق النفعى و ليس بقيمة مطلقة ,
الاخلاق للدنيا , اما من منظور الدين فالاخلاق للدين , و الدنيا تأتى كمحصلة جانبية,
لذا علينا فى رحلة البحث عن السعادة الا نهمل اى ركن من اركان البناء , فالبناء غير مكتمل بل هو معرض للسقوط و بالتالى لا يمكن تحقيق السعادة ,
اذا عدنا لكلام د. صلاح الراشد عن السعادة نجده يصف لنا انواع من البشر قررت من دون ان تدريى الا تكون سعيدة و اليك بعض الامثلة التى ذكرها:
1.من ظن ان السعادة لا تتفق مع الايمان و ان ( فلان ) لم يبتسم قط حتى مات و اشياء من هذا القبيل و هو مخالف للثابت فى الدين ( تبسمك فى وجه اخيك صدقة -و ان تلقى اخاك بوجه طلق- و ان اكثر الملتقيان اجرا اكثرهم بشرا و تبسما , ....الخ).

2.ان هناك من قرر الا يكون سعيد لانه رأى ابوه او امه غير سعداء و يعتبر سعادته خيانة لهم ؟أو انه يستحى ان يكون سعيدا و بعض المسلمين ( فى العراق , فى فلسطين ...الخ ) غير سعيد , رغم انه هناك فرق بين ان تحاول تخفيف المعانة عن اخوانك و بين ان تحاول ان تعانى انت ايضا تأثرا بما يحدث لهم .

3.ان هناك من قرر الا يكون سعيدا حتى يحدث شيئ ما ( شراء سيارة - امتلاك بيت - نجاح ....الخ).

اننا كثيرا ما نربط سعادتنا بالاشياء و لا نعترف بان السعادة قرار و ليست مرتبطة بحدث معين ( الاحداث تساعد فقط اذا ما قررت ان تكون سعيدا ) .

4. النوع الاخطر فى رفض السعادة هو الناتج عن ضعف تقدير الذات أو نتيجة تعرضه لمحنة ما موقف ما طريقة تربية ما تم برمجة المخ بانه لا يستحق السعادة و بالتالى يستغربها و يضحى بها بسهولة و قد يهرب منها متعمدا ( شخص يجد الانسانة المناسبة و لا يتزوجها - انسانة تجد شخص مناسب يتمنى الارتباط بها و تبتعد عنه - شخص يجد و ظيفة جيدة و يتركها .....وهاكذا) .

ومثال على من ربط السعادة بشروط( النوع الثالث) ( قصيدة شهرزاد لنزار):

تريدين مثل جميع النساء ......

كنوز سليمان ....

مثل جميع النساء

وأحواض عطرٍ ......

وأمشاط عاجٍ .......

وسربَ إماء

تريدين مَولى .......

يُسبح بأسمك كالببغاء

يقول : ( أُحبكِ ) عند الصباح

يقول : ( أُحبكِ ) عند المساء

************************

تريدين مثل جميع النساء

تريدين مني نجوم السماء

وأطباق مَنَّ ...

وأطباق السلوى .......

وخفين من الكستناء

تريدين من شنغهاي الحرير .......

ومن أصفهان جلود الفراء

وتريدين بين الغمائم قصرُ .....

جميع حجارته من ضياء

تريدين مثل جميع النساء ....

مراوح ريش ....

وكحلاً ......

وعطراً .....

تريدين عبداً شديد الغباء

ليقرأ على سريرك شعراً .......

تريدين في لحظتين أثنتين

بلاط الرشيد وإيوان كسرى

وقافلة من عبيد وأسرى تجر ذيولك .....

يا كليوبترا .....

*************************

ولست أنا .......

سندباد الفضاء .......

لأحضر بابل بين يديكِ وأهرام مصر .........

وإيوان كسرى

وليس لدي سراج علاء

لآتيك بالشمس فوق أناء ........

كما تتمنى ..........

جميع النساء ....

****************************

وبعد .........

أيا شهرزاد النساء .........

أنا عاملُ في بغداد ........

فقير.......

رغيفي أغمسه بالدماء ......

شعوري بسيط .....

وأجري بسيط ....

وأؤمن بالخبز والاولياء ......

وأحلم بالحب كالآخرين ....

وزوجٍ ..

تخيط ثقوب ردائي .....

وطفل ينام على ركبتي .......

كعصفور حقلٍ ، كزهرة ماءِ .....

أفكر بالحب كالآخرين ....

لان المحبة مثل الهواء .....

لان المحبة شمس تضيء ....

علة الحالمين وراء القصور .......

على الكادحين .......

على الاشقياء ......

ومن يملكون سرير الحرير ......

ومن يملكون سرير البكاء ........

**********************

تريدين مثل جميع النساء ......

تريدين ثمانية معجزات .......

وليس لدي ............

سوى كبريائي

غير اننا يجب الا نقع فى مصيدة التعميم فما ذكره نزار يوجد فى النساء بدرجات متفاوتة و ليس بالكامل فقد تحتاج معظم النساء الكلام الرقيق اكثر من حاجتها للذهب,

الكلام الرقيق عندها هو السعادة , ان سعدت المرأة اعطتك عمرها , الا لا تلومن الا نفسك , ولن تكون الاستاذ / سعيد حتى و لو شهدت لك كل الاوراق الرسمية.

و هناك صورة اخرى ( لناجى ) فى قصيدة انتظار حيث قرر ان يبقى غير سعيد حتى يعود حبيب هو يظن انه لا يعود انه ينتحر حباً:


أنا في بعدك مفقود الهدى .. ضائع أهفو الى نور كريم

أشتري الأحلام في سوق المنى .. و أبيع العمر في سوق الهموم

لا تقل لي في غد موعدنا .. فالغد الموعود ناء كالنجوم

أغدا قلت ؟ فعلمني انتظارا .. ليتني أختصر العمر اختصارا

عبرت بي نشوة من فرح .. فرقصنا أنا و القلب سكارى

و عرانا طائف من خبل .. فاندفعنا في الاماني نتبارى

سنذم النور حتى يتلاشى .. و نذم الليل حتى يتوارى !

انه قرر ان يتخيل ما يسعده:

انفردنا أنا و القلب عشيا .. ننسج الامال و النجوى سويا

فركبنا الوهم نبغي دارها .. و طوينا الدهر و العالم طيا

فبلغناها و هللنا لها .. و نزلنا الخلد فينانا نديا

و لقينا الحسن غضا و الصبا .. و تملينا الجلال الأبديا

قال لي القلب : أحقا ما بلغنا .. كيف نلنا ما نتمنى؟

أتراها خدعة حاقت بنا .. أتراها ظنة مما ظننا ؟

انه بيت جميل يبعث الامل فى وسط ابيات غير متحمسة للآمال:

قلت : لا تجزع فكم من منزل .. عز حتى صار فوق المتمنى

اذن الله به بعد النوى .. فثوينا و استرحنا و امنا !

________

يا جنان الخلد قدمت اعتذاري .. اذ يطوف الخلد سقمي و دماري

أيها الآمر في ملك الهوى .. اعف عن لهفة روحي و أواري

انه يحترق شوقا :

أشتهي ضمك حتى اشتفي .. فكأني ظامئ آخذ ثاري

غير أني كلما امتدت يدي .. لعناق خفت أن تؤذيك ناري

_______

أيها النور سلاما و خشوعا .. أيها المعبد صمتا و ركوعا

ملكت قلبي و لبي رهبة .. عصفت بالقلب و اللب جميعا

رب قول كنت قد أعددته .. لك اذ ألقاك يأبى أن يطيعا

و حبيس من عتاب في فمي .. قد عصاني فتفجرت دموعا

يستيقظ من اوهامه:

لذعتني دمعة تلفح خدي .. نبهتني من ضلال ليس يجدي

و اختفت تلك الرؤى عن ناظري .. و طواها الغيب في سحري برد

و تلفت فلا أنت ولا .. جنة الخلد ولا أطياف سعد

و اذا بي غارق في محنتي .. وبلائي أقطع الأيام وحدي

القرار بان يظل غير سعيد حتى يتحقق ما يحلم به

( نوع من انواع العصيان المدنى):

هات قيثاري و دعني للخيال .. و اسقني الوهم و علل بالمحال

و دع الصدق لمن ينشده .. الحجى خصمي فاغمر بالضلال

و خذ الانوار عني ، ربما .. اجد الرحمة في جوف الليالي

خلني بالشوق استدني غدا .. فغدا عندي كاباد طوال !!
__________________


غير اننا دائما يجب أن نتذكر اننا علينا اتخاذ القرار بان نكون سعداء ,
و اتذكر مقولة جميلة لانسان قرر ان يكون سعيدا تحت أى ظرف:

( ماذا يصنع اعدائى بى ؟ إن قتلونى فقتلى شهادة,

و إن نفونى فنفى سياحة ,

و إن سجنونى فسجنى خلوة ,

ماذا يصنع اعدائى بى؟

أنا جنتى فى قلبى و قلبى بيد ربى )
- شيخ الاسلام ( ابن تيمية)
( لكى نشعر بانسانيتنا لابد أن يكون هناك شيئ نضحى من اجله)
و هناك كلمة جميلة تقول ( ان سعادتنا تكون على قدر مقدرتنا على اسعاد من حولنا)
علينا ان نسعى بوعى لاسعاد انفسنا( فاقد الشيئ قد لا يستطيع أن يعطيه) وكذلك علينا ان نسعى لاسعاد من حولنا .
علينا من اليوم ان نقرر ان نكون سعداء
ان نحاول ان نكون سعداء
ان نبحث عن ما يسعدنا و يسعد من حولنا
( ان شعورنا بالسعادة مرتبط بالمقدر على اسعاد من حولنا )
ان ننظر فى ما نفعله : هل يجلب لنا السعادة ( فى الدنيا و الآخرة ) هل نحن سعداء فعلا بما نفعل ام اننا نفعل ذلك لان من حولنا يفعلونه)
اتمنى لكم حياة فى منتهى السعادة و لقاء فى الجنة دار السعادة ( اما الذين سعدوا ففى الجنة...- الاية)