الثلاثاء، 2 ديسمبر 2008

جوهر الدين و مظاهر التدين

كثيرا ما كنت اتساءل عن حالة الغلظة التي تعانى منها شعوبنا بدرجات متفاوته,
و فى مصر بالذات معظم الناس صاروا انصاف مجانين فالكثيرين على استعداد للمشاجرة لاتفه الاسباب و فى الاغلب بدون سبب على الاطلاق,

الصورة القديمة عن المصري الودود , المبتسم , المحسن لجاره و لمن حوله اصبحت تتلاشى شيئا فشيئا,
لا ترى فى الشوارع الا الكثير من العبس , كثير من القبح فى الاخلاق و المعاملات فضلا عن الالفاظ.

ارحام تقطع , طلاق , مشاجرات بين الجيران و فى الاماكن العامة .

شيئ ما يحدث فى مصر منذ اكثر من ثلاثين عاما قلب منظومة القيم , رفع راية القبح فى كل موقع ,

كما قال ( الطبيب النفسى الراحل د/ عادل صادق) : اذا كان فى مصر عدد السكان 70 مليون منهم 60 مليون ينزلون إلى الشارع( ينكدون على بعضهم البعض ) و كأن النكد صار هدف فى حد ذاته,

لعلى هنا لا ارصد الاسباب رصدا اكاديميا لانه ليس المجال, و هو متروك لعلماء الاجتماع لتفسير ما يحدث , لكنها مجرد ملاحظة : قد نجد تبرير للتغيرات السلبية فى المجتمع نتيجة المشكلات السياسية و الاقتصادية , و ما نتج عنها من مشكلات اجتماعية عدة ,
, لكن الكارثة أنها ليست مجرد ظاهرة وأنما العنف و الغلظة و سوء الخلق اصبحت كلها ثقافة عامة ؟.

هناك مقولة :( تذائب قبل أن تأكلك الذئاب ) هل فعلا لا بد ان نصبح قطعان من الذئاب لكى نحيا , ما احقرها حياة , ما اهون ان نتركها غير آسفين على حياة الذئاب,

إن البعد عن الدين يفاقم المشكلة ,و يؤسس لما يسمى بثقافة الزحام و حين تصبح التصرفات خارجة عن حدود الدين و الضمير فلا احد يمكنه أن يتنبأ بحدود المشكلة
, لكن المؤسف أن تمتد الظاهرة فى صفوف المتدينين ,أن يصبح الدين شكلا , لباسا طقوسا و فقط؟
لقد اقمنا مظاهر التدين و هدمنا معنى الدين ,
قد تجد كثير من الغلظة فى الامر بالمعروف و النهى عن المنكر فى داخل المساجد , من المتدينين , حتى فى توجيه الاطفال فى المساجد بما ينفر , فى تصيد الاخطاء و الزلات,
دولة مثل مصر تنفق ما يوازى 8 مليار على مظاهر الوفاة (اعلانات نعى فى الجرائد و اماكن العزاء و مقرئين اضافة إلى قيام البعض بتصوير الجنازات على شرائط فيديو ....), بالطبع المصروف على مظاهر الافراح و الاعراس اكبر من ذلك , فهل يصح كل ذلك فى بلد يعيش اكثر من 45% من سكانها تحت خط الفقر ؟
هل التصرف بهذه الطريقة ضد او مع تعاليم الدين؟
هل عمر بن الخطاب عندما طلب من الاشخاص الذين يأكلون اللحم عدة مرات فى الاسبوع ان يتصدقوا بثمن اللحم ليوم واحد على الفقراء هو من أو خارج عن نطاق ما امر به الدين ؟ .
هل ان يكون متوسط انتاج العامل أو الموظف المصرى ( فى حدود 30 دقيقة يوميا ) هو مع او ضد تعاليم الدين ,
و رسول الله ( ص) اخبر عن اليد التى تعمل انها يد يحبها الله و رسوله ،انه من بات كالا من عمل يده بات مغفورا له ,
ان قول الرسول الكريم ( ص) : ( انما بعثت لاتمم مكارم الاخلاق ) يتنافى مع ما نراه من انتشار مظاهر التدين و انتشار سوء الاخلاق و حدة الطباع ؟


الشيخ الغزالى له كلام رائع فى كتابه ( خلق المسلم ) يقول فيه (العبادات التى شرعت فى الاسلام و اعتبرت اركانا فى الايمان به ليست طقوس من النوع الذى يربط الانسان بالغيوب المجهولة ،
ويكلفه باداء اعمال غامضة و حركات لا معنى لها ،
كلا فالفرائض هى تمارين متكررة لتعويد المرء أن يحيا باخلاق صحيحة
, ان يظل متمسكا بهذه الاخلاق مهما تغيرت الظروف...)

تذكرت كلمة الامام / محمد عبده فى زيارة له إلى اوروبا اوائل القرن السابق:
( رأيت اسلاما بلا مسلمين و هنا مسلمون بلا اسلام )،
هناك كلام كثير للشيخ / محمد الغزالى عن الاخلاق و العبادات :
(ان من لم تؤثر عليه العبادات و تهذب اخلاقه و تعاملاته و تذيل العنف و القسوة من تصرفاته و تضع مكانهما اللين و الرفق فهو لم يحقق اى فائدة من ممارسة العبادة )
(إن العدل ليس موجود فى نص القانون و لكنه موجود فى ضمير القاضى)
كذلك جوهر التدين هو حسن الخلق،
لا يشفع لمن ساء خلقه كثرة صلاة و صيام او الامساك بمسبحة انيقة بين الاصابع
( انما بعثت لاتمم مكارم الاخلاق).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تعليقك يهمنى ( فضلا لا أمراً اترك تعليق)